في يناير عام 1953 ، حظر ناصر جميع الأحزاب السياسية، وخلق نظام الحزب الواحد. وعلى الرغم من قرار حل البرلمان، كان عبد الناصر عضو مجلس قيادة الثورة الوحيد الذي ما زال يفضل إجراء الانتخابات البرلمانية، وفقاً لعبد اللطيف البغدادي (أحد زملائه من الضباط). وظل عبد الناصر ينادي بإجراء الانتخابات البرلمانية في سنة 1956 . وفي مارس عام 1953 ، قاد ناصر الوفد المصري للتفاوض على انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس ،عندما بدأت علامات الاستقلال من مجلس قيادة الثورة تظهر على نجيب، حيث نأى بنفسه عن قانون الإصلاح الزراعي وتقرب إلى الأحزاب المعارضة لمجلس قيادة الثورة مثل: جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد، فكر ناصر في تنحيته. وفي يونيو ، سيطر ناصر على منصب وزير الداخلية عن طريق عزل الوزير الموالي لمحمد نجيب، وهو نجيب سليمان حافظ، وضغط على نجيب لإختتام إلغاء النظام الملكي في 25 فبراير عام 1954 ، أعلن نجيب استقالته من مجلس قيادة الثورة بعد أن عقد مجلس قيادة الثورة لقاء رسمياً دون حضوره قبل يومين. في 26 فبراير ، قبل ناصر استقالة نجيب، وقام بوضع نجيب تحت الإقامة الجبرية في منزله. وعين مجلس قيادة الثورة ناصر قائداً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء، على أن يبقى منصب رئيس الجمهورية شاغراً. وكما أراد نجيب، ثم تمرد على الفور بين ضباط الجيش، وطالبوا بإعادة نجيب وحل مجلس قيادة الثورة. ولكن في 27 فبراير ، أطلق أنصار عبد الناصر في الجيش غارة على القيادة العامة العسكرية، وقاموا بإنهاء التمرد. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، نظم مئات الآلاف من أعضاء جماعة الأخوان المسلمين مظاهرات، ودعوا لعودة نجيب وسجن عبد الناصر. وأيضا طالبت مجموعة كبيرة داخل مجلس قيادة الثورة، بقيادة خالد محيي الدين، بإطلاق سراح نجيب وعودته إلى رئاسة الجمهورية، واضطر ناصر إلى الإذعان لمطالبهم، ولكنه أجل إعادة نجيب حتى 4 مارس ، وقام بتعيين عبد الحكيم عامر قائداً القوات المسلحة، وكان هذا المنصب في يد محمد نجيب قبل عزله..
يوم 5 مارس ، قامت قوات الأمن التابعة لعبد الناصر بالقبض على الآلاف من المشاركين في المظاهرات الداعية لعودة نجيب. نجح مجلس قيادة الثورة في إثارة المستفيدين من الثورة، أي العمال والفلاحين، والبرجوازيين الصغار، حيث قاموا بتنظيم مظاهرات كبيرة، لمعارضة قرارات نجيب، التي ألغى فيها قانون الإصلاح الزراعي وعدة إصلاحات أخرى. سعى نجيب لقمع المظاهرات، ولكن تم رفض طلباته من قبل رؤساء قوات الأمن. يوم 29 مارس، أعلن ناصر إلغاء قرارات نجيب "ردا على طلب الشارع". بين أبريل ويونيو، تم اعتقال وفصل مئات من مؤيدي نجيب في الجيش، وكان محيي الدين منفيا في سويسرا بصورة غير رسمية (لتمثيل مجلس قيادة الثورة في الخارج) حاول الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية رأب العلاقات بين عبد الناصر ونجيب، ولكن دون جدوى.
رئاسة مجلس قيادة الثورة
في 26 أكتوبر عام 1954 ، حاول محمود عبد اللطيف أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين اغتيال عبد الناصر، عندما كان يلقى خطاباً فى الإسكندرية للإحتفال بالإنسحاب العسكري البريطاني. كان المسلح بعيدا عنه بـ 25 قدم (7.6 متر)، وأطلق ثماني طلقات، ولكن جميع الطلقات لم تصب ناصر. اندلعت حالة من الذعر بين الجمهور، لكن ناصر رفع صوته وطلب من الجماهير الهدوء، وصاح بما يلي:
![]() |
فليبق كل في مكانه أيها الرجال، فليبق كل في مكانه أيها الرجال، حياتي فداء لكم، دمي فداء لكم، سأعيش من أجلكم، وأموت من أجل حريتكم وشرفكم، إذا كان يجب أن يموت جمال عبد الناصر، يجب أن يكون كل واحد منكم جمال عبد الناصر، جمال عبد الناصر منكم ومستعد للتضحية بحياته من أجل البلاد | ![]() |
تعالت صيحات التشجيع لعبد الناصر في مصر و العالم العربي . وأتت محاولة الاغتيال بنتائج عكسية. وبعد عودته إلى القاهرة، أمر عبد الناصر بواحدة من أكبر الحملات السياسية في التاريخ الحديث لمصر، فتم اعتقال الآلاف من المعارضين، ومعظمهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين، وتمت إقالة 140 ضابطا موالياً لنجيب. وحكم على ثمانية من قادة الإخوان بالإعدام. تمت إزالة محمد نجيب من رئاسة الجمهورية ووضع تحت الإقامة الجبرية، ولكن لم تتم محاكمته، ولم يقم أحد في الجيش بالدفاع عنه. وبعد تحييد منافسيه، أصبح عبد الناصر الزعيم بلا منازع في مصر.
كان لا يزال عدد مؤيدي عبد الناصر قليلاً، ولا يضمن له الحفاظ على خططه الإصلاحية، وسعيه للبقاء في السلطة. فقام عبد الناصر بإلقاء عدة خطب في أماكن مختلفة في البلاد، للترويج لنفسه وللتيار الليبرالي. وقام بفرض ضوابط على الصحافة، وأعلن أن جميع المنشورات والصحف لا بد أن تلقى موافقته عليها لمنع "الفتنة". غنى كل من أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وبعض المطربين العرب البارزين في هذا العصر عدة أغاني تشيد بقومية عبد الناصر. وأنتجت عدة مسرحيات تشوه سمعة خصومه السياسيين. ووفقاً لبعض معاونيه، دبر عبد الناصر الحملة بنفسه. وبدأت القومية العربية تظهر بشكل متكرر في خطاباته في عامي 1954 - 1955 . ثم في يناير 1955 عين رئيساً لمجلس قيادة الثورة.
قام عبد الناصر بعمل اتصالات سرية بغرض السلام مع إسرائيل في عامي 1954 - 1955 ، لكنه مصمم بعد ذلك على أن السلام مع إسرائيل مستحيل، واعتبر أنها "دولة توسعية تنظر العرب بإزدراء". يوم 28 فبراير 1955 ، هاجمت القوات الاسرائيلية قطاع غزة، الذي كانت تسيطر عليه مصر في ذلك الوقت، وأعلنت إسرائيل أن هدفها هو القضاء على الغارات الفدائية الفلسطينية. شعر عبد الناصر بأن الجيش المصري ليس على استعداد للمواجهة ولم يرد عسكرياً. كان فشله في الرد على العمل العسكري الإسرائيلي ضربة لشعبيته المتزايدة. في وقت لاحق أمر ناصر بتشديد الحصار على الملاحة الإسرائيلية من خلال مضيق تيران. قام الإسرائيليون بإعادة عسكرة منطقة العوجة منزوعة السلاح على الحدود المصرية في 21 سبتمبر .
وبالتزامن مع غارة فبراير الإسرائيلية، تم تشكيل حلف بغداد بين بعض الحلفاء الإقليميين للمملكة المتحدة. اعتبر عبد الناصر حلف بغداد تهديدا لجهوده للقضاء على النفوذ العسكري البريطاني في الشرق الأوسط، وآلية لتقويض جامعة الدول العربية و"إدامة التبعية العربية للصهيونية والإمبريالية الغربية". ورأى ناصر أنه إذا كان يريد الحفاظ على الموقع الريادي الإقليمي لمصر فهو يحتاج إلى الحصول على الأسلحة الحديثة لتسليح جيشه. عندما أصبح واضحا له أن الدول الغربية لن تمد مصر بالأسلحة تحت شروط مالية وعسكرية مقبولة، تحول عبد الناصر إلى الكتلة الشرقية وأبرم اتفاق شراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا بمبلغ 320 مليون دولار أمريكي في 27 سبتمبر. بعد صفقة الأسلحة التشيكوسلوفاكية، أصبح ميزان القوى بين مصر وإسرائيل أكثر تعادلاً، وتعزز دور عبد الناصر كقائد للعرب يتحدى الغرب.
إقرار الحياد
في مؤتمر باندونغ في إندونيسيا في أواخر أبريل 1956 ، كان عبد الناصر يعامل كأبرز ممثلي الدول العربية، وكان واحداً من الشخصيات الأكثر شعبية في القمة. وكان عبد الناصر قد زار باكستان في وقت سابق ( 9 أبريل )والهند (14 أبريل)، وبورما وأفغانستان في الطريق إلى باندونغ. وأقام معاهدة صداقة مع الهند في القاهرة يوم 6 أبريل ، مما عزز العلاقات المصرية الهندية في السياسة الدولية وجبهات التنمية الاقتصادية.
توسط ناصر في مناقشات المؤتمر بين الفصائل الموالية للغرب، والموالية للإتحاد السوفياتي. وسعت جهود عبد الناصر للتصدي للإستعمار في أفريقيا وآسيا وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفياتي. قدم عبد الناصر الدعم من أجل استقلال تونس والجزائر والمغرب عن الحكم الفرنسي، ودعم حق عودة الفلسطينيين لمنازلهم، ودعى لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. نجح في الضغط على الحضور لتمرير قرارات بشأن كل من هذه القضايا، وأبرزها ضمان الدعم القوي من الصين والهند.
بعد مؤتمر باندونج، أعلن ناصر رسميا "الحياد الإيجابي" لمصر بشأن الحرب الباردة. وتم استقبال عبد الناصر من قبل حشود كبيرة من الناس غطت شوارع القاهرة لدى عودته إلى مصر في 2 مايو ، وتم الإعلان على نطاق واسع في الصحافة عن إنجازاته وقيادته للمؤتمر. ونتيجة لذلك، تعززت مكانة عبد الناصر إلى حد كبير كما زادت ثقته في نفسه.
1956 (الدستور والرئاسة)
مع تعزيز موقعه الداخلي إلى حد كبير، أصبح ناصر قادرا على ضمان أسبقيته على زملائه في مجلس قيادة الثورة، واكتساب سلطة صنع القرار من دون منازع نسبيا، وخاصة في السياسة الخارجية.
في يناير عام 1956، تمت صياغة الدستور الجديد لمصر، الذي تضمن إنشاء نظام الحزب الواحد في إطار "الاتحاد الوطني". تم ترشيح عبد الناصر لمنصب رئاسة الجمهورية، وطرح الدستور الجديد للاستفتاء العام يوم 23 يونيو، وحاز كلاهما على الموافقة بأغلبية ساحقة. وأنشئ مجلس الأمة الذي يتضمن 350 عضوا. وجرت الانتخابات في يوليو عام 1957. منح الدستور حق الاقتراع للمرأة، وحظر التمييز القائم على نوع الجنس، وكفل حماية خاصة للنساء في مكان العمل. تزامنا مع الدستور الجديد ورئاسة عبد الناصر، حل مجلس قيادة الثورة نفسه كجزء من الانتقال إلى الحكم المدني.وخلال المناقشات التي دارت لتشكيل حكومة جديدة، بدأ ناصر عملية تهميش منافسيه من بين الضباط الأحرار الأصليين، بينما رفع أقرب حلفائه لمناصب رفيعة المستوى في الحكومة.