التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جمال عبد الناصر و حرب الاستنزاف


بدأت حرب الاستنزاف في مارس 1969 وهو تعبير أطلقه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على العمليات العسكرية التي دارت بين القوات المصرية شرق قناة السويس والقوات الإسرائيلية المحتلة لمنطقة سيناء عقب حرب الأيام الستة التي احتلت فيها إسرائيل الأرض العربية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان وسيناء. وانتهت بموافقة عبد الناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكي روجرز لوقف إطلاق النار فى الثامن من أغسطس 1970 .
وانطلقت حرب الاستنزاف من رؤية مفادها انه إذا كانت مصر ستخوض معركة مقبلة لتحرير أرضها واستعادة كبريائها فإن الخطوة الأولى هي تحطيم صورة المقاتل الإسرائيلي السوبر قبل أن تترسخ في عقول المقاتلين المصريين ، ولتحقيق هذا الهدف فإنه من الضروري أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شرق قناة السويس ، و أن سقوط قتلى وجرح وأسرى فى صفوف العدو سيؤدي إلى استنزافه ونزع هذه الهالة التي اكتسبوها في يونيو 1967.
ولذا تضمنت حرب الاستنزاف هجمات متعددة ضد الاحتلال في سيناء وحتى فى مناطق خارج منطقة الصراع تماما مثل عملية تفجير حفار إسرائيلي في المحيط الأطلنطي ، ومن أهم منجزاتها عملية ايلات التي تم خلالها الهجوم على ميناء أم الرشراش الذي أسمته إسرائيل إيلات بعد احتلاله حيث تم تلغيم الميناء وقتل عدد من العسكريين وإغراق بارجة إسرائيلية وذلك من قبل رجال الضفادع البشرية المصريين بالتعاون مع القوات الأردنية والعراقية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
البطل إبراهيم الرفاعى 
لقد سطر أبطال "المجموعة 39 قتال" التي كان يقودها العميد إبراهيم الرفاعي الذى استشهد فيما بعد بحرب أكتوبر بأسمائهم في سجل التاريخ بالنظر إلى المهام الخطيرة التى أوكلت إليهم وتم تنفيذها بنجاح خلال حرب الاستنزاف ، وكانت تلك المجموعة تضم خيرة مقاتلي الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية وأذاقت جيش الاحتلال الإسرائيلي الويل والأهوال وسببت لجنوده حالة هيستيريا دائمة حتى أنهم كانوا يحاولون الوصول بأية وسيلة إلي معلومات عن تلك المجموعة وأساليب عملها ، بل أنهم حددوا أسماء ثلاثة من رجال المجموعة للوصول إليهم أحياء أو أموات وهم الشهيد إبراهيم الرفاعي والقائد الثاني للمجموعة الدكتور علي نصر ثم المقاتل الفذ علي أبو الحسن الذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر .
الاستعداد المصري
كشفت حرب 5 يونيو عن كثير من أوجه القصور في القوات المسلحة المصرية بشكل عام وفي القوات التي تتولى مهام الدفاع الجوي بشكل خاص ولذا وضعت القيادة السياسية جملة من الأهداف لتجاوز النكسة تتمثل فى : 
1 - إعادة بناء القوات المسلحة . 
2 - إعادة الثقة للجنود في أنفسهم وفي قادتهم . 
3 - إعادة الضبط والربط ، إعادة تدريب القوات . 
4 - تنظيم الوحدات.
ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ.

فبعد النكسة حاول الإسرائيليون الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء حيث تحركت قوات العدو من القنطرة في اتجاه بور فؤاد ولكن بعض قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام في طريقهم وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم في 1 يوليو 1967 وهى المعركة التى أطلق عليها " معركة رأس العش " . 
وفي 2 يوليو 67 ، عاودت إسرائيل محاولة الاستيلاء علي بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا للقوات الإسرائيلية بالأسلحة الخفيفة ودمروا عرباته المدرعة المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته لتؤكد معركة رأس العيش المعدن النفسى لجند مصر ورفضهم الهزيمة .

وفى 14، 15 يوليو 67 ، قامت القوات المصرية بإطلاق مدفعية عنيفة علي طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو في الجنوب في اتجاه السويس والفردان وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية بأكملها وهى تضرب في الجنوب فتحول العدو بقواته الي الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصري الي الشمال وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الإسرائيلية . 
وقامت القيادة الإسرائيلية علي صدي هذه الضربة الجوية الصائبة بطلب وقف إطلاق النار من امريكا التي كلفت سكرتير عام الامم المتحدة بإبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر عبر التليفون بهذا الطلب الإسرائيلي وكان قائد الطيران في هذا الوقت هو الفريق مدكور أبو العز.

تدمير المدمرة ايلات 
وفي 21 أكتوبر67، قامت البحرية المصرية بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، ويروى المشير محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته عن حرب أكتوبر تفاصيل ما حدث في هذا اليوم، قائلا :" جاء يوم 21 أكتوبر 1967وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية ، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد .
كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ. وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها". 
وأضاف الجمسى قائلاً: " وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة . هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها. وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى. 
عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة" . 
وأكد الجمسى أن إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التي استخدمت لاول مرة كان بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم- بجدارة- هو يوم البحرية المصرية.

ووفقا للجمسى فقد طلبت إسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية الإنقاذ للأفراد الذين هبطوا إلى الماء عند غرق المدمرة واستجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل فى عملية الإنقاذ التى تمت على ضوء المشاعل التى تلقيها الطائرات ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم إنقاذهم، مشيرا إلى أن هذه الضربة كانت هي حديث العالم كله .
حائط الصواريخ
رداً على تدمير المدمرة إلات قبالة سواحل بورسعيد وداخل المياه الإقليمية المصرية ورداً على خسائره المتوالية فى حرب الأشراف هاجم العدو الإسرائيلى، هاجم العدو الإسرائيلي أهدافا مدنية داخل مصر بسبب ضعف الدفاعات الجوية المصرية مثل مجزرة بحر البقر التي قصف فيها العدو مدرسة ابتدائية وأدت تلك العمليات الجوية الإسرائيلية إلى دفع مصر لإنشاء سلاح للدفاع الجوي كقوة مستقلة في عام 1968 وتبعه إنشاء حائط الصواريخ الشهير بالاعتماد الكلي على الصواريخ السوفيتية سام وقد حمى كل السماء المصرية وأضعف التفوق الجوي الإسرائيلي.
لقد كانت قوات الدفاع الجوي قبل النكسة تعتبر فرعاً من سلاح المدفعية، وتحت القيادة العملياتية للقوات الجوية وهذا التنظيم معمول به في كثير من دول العالم ولكن من دروس حربي 1956 و 1967 وجد أن القوة الجوية الإسرائيلية مركزة في يد قائد واحد ولذا من الضرورى تركيز جميع الأسلحة والمعدات المضادة لها والمكلفة بالتعامل معها وصدها في يد قائد واحد ضماناً للتنسيق وتوحيداً للمسئولية وتحقيقاً للنجاح.
وكان القرار بإنشاء قوات الدفاع الجوي المصري قوة مستقلة قائمة بذاتها، لتصبح القوة الرابعة ضمن القوات المسلحة المصرية التي تشمل القوات البرية والبحرية والجوية وذلك في أول فبراير 1968 . 
وبدأ التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي من منطلق الدور الرئيسي لهذه المنظومة والذي يتمثل في توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية في الدولة ضد هجمات العدو الجوي لذا ينبغي أن تحقق المنظومة ثلاثة أهداف رئيسية هي استطلاع العدو الجوي والإنذار عنه ومنع العدو من استطلاع القوات المصرية ثم توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية.

ولتحقيق هذا تضمنت منظومة الدفاع الجوى عدة عناصر متناسقة متعاونة تعمل تحت قيادة واحدة هي : نظام القيادة والسيطرة، نظام الاستطلاع والإنذار ويضم أجهزة رادار أرضية أو محمولة جواً، وأقماراً صناعية، وشبكات المراقبة الجوية بالنظر ، نظم القتال الإيجابية، وتشمل: المقاتلات، والصواريخ الموجهة، والمدفعية المضادة للطائرات، أنظمة الحرب الإلكترونية.
أما بالنسبة لحائط الصواريخ ، فإنه عندما ارتفعت خسائر إسرائيل نتيجة حرب الاستنزاف فقد قررت فى ‏6‏ يناير‏1970 بناء على اقتراح وزير الحرب موشى ديان إدخال السلاح الجوى الإسرائيلي إلى المعركة ، وزعمت رئيسة وزراء إسرائيل في هذا الوقت جولدا مائير أن الطريقة الوحيدة لمنع المصريين من تحرير سيناء هي ضرب العمق المصري بعنف.‏ 
ودخل الطيران الإسرائيلي بكل ثقله مدعوما بالمقاتلات الحديثة من طراز سكاى هوك والفانتوم والميراج ليبدأ بمهاجمة القوات العسكرية فى البداية ثم انتقل إلى الأهداف المدنية . 
ونظرا لأن السياسة التى اتبعها السوفيت عقب نكسة 1967 كانت تقضى بتزويد مصر بأسلحة دفاعية وعدم تزويدها بأسلحة متقدمة فقد فرضت إسرائيل سيطرتها الجوية ليس فقط على الجبهة ولكن على مصر كلها .

ونفذ الاحتلال الإسرائيلي العديد من الهجمات الجوية خلال الفترة من ينايـر حتي إبريل عام‏1970‏ م وبلغ إجمالي طلعات الطيران‏3838‏ طلعة جوية، وخلال هذا التصعيد ارتكبت مقاتلات الاحتلال الإسرائيلي جريمتين بشعتين وهما الغارة الجوية على مصنع أبو زعبل والأخرى على مدرسة بحر البقر في 8 إبريل 1970، الأولى تسببت بمقتل 70 عاملا وإصابة 69 آخرين وزعمت إسرائيل أنها وقعت بطريق الخطـأ والأخرى تسببت بمقتـل 31 طفلا وجرح 36 آخرين، مما أثار الاستياء العالمى. 
أمام كل هذا عقد الرئيس جمال عبد الناصر ثلاثة اجتماعات رئيسية مع القيادت الجوية والدفاع الجوى اللذين أكدوا له عجز شبكة الدفاع الجوى المصرى عن التصدي للطائرات الإسرائيلية بأجهزتها المتطورة ولذلك قرر السفر إلى موسكو فى زيارة سرية لإمداد مصر بنظام دفاع جوى متكامل . 
كانت شبكة الدفاع الجوى اللازمة للجيش المصرى تطلب عدة عناصر رئيسية وهى: وجود أجهزة رادارية متطورة للإنذار المبكر وتتبع الطيران المعادى، توافر مقاتلات اعتراضية للاشتباك والمطاردة خارج الحدود، إيجاد شبكة متطورة من الصواريخ أرض جو للدفاع الثابت، توافر الأجهزة الإلكترونية التى يمكن بفضلها اكتشاف الطائرات المعادية على مسافات بعيدة وأيضا إطلاق صواريخ جو جو أو أرض جو على الطائرات المغيرة .

ولذا طلب جمال عبد الناصر من السوفيت تزويد مصر بوحدات كاملة من المقاتلات الاعتراضية المتطورة (ميج 21 بالمحرك ي 511) ووحدات متكاملة من كتائب صواريخ سام 3 لمواجهة الطيران المنخفض وأيضا أجهزة رادار متطورة للإنذار (ب15) .
وفي هذا الصدد ذكر الفريق محمد زاهر عبد الرحمن أحد قادة قوات الدفاع الجوى في أحد تصريحاته أن الصراع العربي‏ الإسرائيلي تحول في ذلك الوقت إلي صراع بين القوات الجوية الإسرائيلية وقوات الدفاع الجوي المصرية حتي أن الرئيس‏ جمال عبد الناصر اجتمع مع بعض من قادة لواءات وكتائب الصواريخ مرتين خلال شهر إبريل ‏1970‏ ‏.‏ 
ووفقا لما ذكره الفريق محمد زاهر فقد بدأ التنفيذ‏ لبناء شبكة الصواريخ بالجبهة وتم حشد كميات هائلة من المواد الهندسية لتنفيذ بناء مواقع الصواريخ‏,‏ وصلت إلى ‏30‏ مليون متر مكعب من أعمال الحفر والردم و‏3‏ ملايين متر مكعب من الخرسانة ومئات الكيلومترات من الطرق‏‏ واشترك في البناء معظم شركات المقاولات المصرية مع زملائهم من ضباط وجنود القوات المسلحة‏‏ واستمرت إسرائيل في مهاجمة قواعد الصواريخ الجاري إنشاؤها واستشهد العديد من رجال وشباب القوات المسلحة والمهندسين والعمال من شركات المقاولات وسالت الدماء علي أرض مصر في سبيل تحرير الأرض واستكمال تنفيذ بناء القواعد‏.‏

وفي صباح يوم ‏30‏ يونيو 1970 تم استكمال مواقع الصواريخ على طول الجبهة وكانت المفاجأة الكبري لإسرائيل فقامت في نفس اليوم بهجوم جوي بعدد ‏24‏ طائرة مقاتلة وكانت النتيجة تدمير أربع طائرات وأسر ثلاثة طيارين ولذا أطلقت المعاهد الإستراتيجية العالمية علي الإنجاز المصرى ‏أسبوع تساقط الفانتوم واستمرت المحاولات الإسرائيلية لتدمير شبكة الصواريخ وخلال ‏38‏ يوما وحتي ‏7/8/1970‏ كانت خسائر الجانب الإسرائيلي ‏ هي تدمير ‏17‏ طائرة وإصابة‏ 34‏ طائرة أخرى ‏.‏ 
وفي تأكيد على براعة حائط الصواريخ المصرى ، صرح عيزرا وايزمان الذى كان قائدا لسلاح الجو الاسرائيلى في الفترة من 1958 - 1966 وكان مستشارا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر وتولى رئاسة إسرائيل في الفترة من 1993 - 2000 ، بأن حرب الاستنزاف انتهت دون أن تجد إسرائيل حلا لمشكلة صواريخ الدفاع الجوي‏ ، قائلا :" لقد فشلنا في تدمير شبكة الصواريخ وإنني مقتنع أنها المرة الأولي التي لم ننتصر فيها" ‏.‏

البطل عبد المنعم رياض 
ولد الفريق محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله في قرية سبرباي إحدى ضواحي مدينة طنطا محافظة الغربية في 22 أكتوبر 1919، ونزحت أسرته إلى الفيوم، وكان جده عبد الله طه على الرزيقي من أعيان الفيوم، وكان والده القائم مقام (رتبة عقيد حاليًا) محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية والتي تخرجت على يديه الكثيرين من قادة
المؤسسة العسكرية.
وفى عام 1964 عين رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة. ورقي في عام 1966 إلى رتبة فريق، وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا
في مايو 1967 وبعد سفر الملك حسين للقاهرة للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك عين الفريق عبد المنعم رياض قائدا لمركز القيادة المتقدم في عمان، فوصل إليها في الأول من يونيو 1967 مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب لتأسيس مركز القيادة. وحينما اندلعت حرب 1967 عين الفريق عبد المنعم رياض قائدا عاما للجبهـة الأردنيـة. وفي 11 يونيو 1967 اختير رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها. وفي عام 1968 عين أمينا عاما مساعدا لجامعة الدول العربية.
حقق عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس وذلك في آخر يونيو 1967، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967 وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967 و1968 .
أشرف على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969م موعداً لبدء تنفيذ الخطة، وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف واسكات بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973.
في صبيحة اليوم التالي (الأحد 9 مارس 1969) قرر عبد المنعم رياض أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق.

يشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبد المنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفي عبد المنعم رياض بعد 32 عاما قضاها عاملا في الجيش متأثرا بجراحه. وقد نعاه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية التي تعتبر أكبر وسام عسكري في مصر، واعتبر يوم 9 مارس من كل عام هو يومه تخليدا لذكراه كما أطلق اسمه على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة وأحد شوارع المهندسين(وأكبر شارع ببلبيس سمى باسمه)، وكذلك وضع نصب تذكاري له بميدان الشهداء في محافظة بورسعيد والإسماعيلية ومحافظة سوهاج.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معاهدة دي ميشال 1834 مع الامير عبد القادر

أمام ضغط جيش الأمير عبد القادر عمل دي ميشال الحاكم الفرنسي بوهران من أجل عقد هدنة مع الأمير، فلجأ إلى حيلة تسمح له بالاتصال بالأمير و إقتراح الهدنة عليه فعمد دي ميشال إلى مرافقة بعض جنده لخونة جزائريين كانوا يزودون جيش الاحتلال بالمواد الغذائية، فألقى جيش الأمير القبض عليهم، فطار دي ميشال فرحا لان ذلك كان وسيلة للاتصال بالأمير عبد القادر و محادثته بشأن الأسرى و اقتراح الهدنة عليه. إلا أن الأمير عبد القادر رفض اقتراحات دي ميشال في البداية لكنه بعد استشارة المجلس الشوري و التفكير العميق بالمعاهدة التي كانت تنص على توقيف القتال و إطلاق سراح الأسرى و حرية التجارة.   و كان هدف الأمير عبد القادر من قبوله المعاهدة هو إيجاد متسع من الوقت لمواصلة بناء دولته و تصنيعها خاصة و أنها تسمح له باستيراد الأسلحة و الآلات الصناعية من أوروبا عبر البحر. نصت المعاهدة   على المواد التالية : "ان القائد العام للقوات الفرنسية في مدينة وهران وأمير المؤمنين سيدي الحاج عبد القادر بن محي الدين قررا العمل بالشروط التالية : المادة الاولى : ان الحرب بين الفرنسيين والعرب ستتوقف منذ اليوم وان ...

نقض معاهدة دي ميشال و انتصارات الأمير عبد القادر

ندمت فرنسا على عقد الهدنة خوفا من أن يتسع نفوذ الأمير و تتقوى دولته أكثر فعمدت إلى نقض الهدنة بتنحية دي ميشال عن حكم وهران و تنصيب الجنرال تريزل حاكما جديدا عليها، و كان من أشدّ المعارضين للمعاهدة، فنقضها بالمهاجمة على جيش الأمير عبد القادر بجيش ضخم يتجاوز 10 آلاف جندي، فهزم جيش الأمير بغابة مولاي إسماعيل فقتل أكثر من 150 جنديا. ففر الجيش الفرنسي تحت الضربات القاسية للمجاهدين، لكن الأمير عبد القادر أغلق في وجهه الطريق إلى أرزيو، فعاد جيش تريزل عبر مسلك واحد و هو نهر المقطع فنجحت خطة الأمير عندما أحاط المجاهدون بالجيش الاستعماري من كل الجهات فأشعلوا فيه النار و دبت الفوضى فيه، فقتلوا و أسروا أغلبهم و استولوا على العتاد و الأسلحة و المؤن و هرب تريزل مع القليل من جنده الناجين من ضربات جيش الأمير. وتعتبر معركة المقطع في 1835 من أشهر معارك الأمير التي تظهر دهاءه العسكري. عزلت الحكومة الفرنسية الجنرال تريزل بعد هزيمته في معركة المقطع التي أثارت الرأي العام الفرنسي، و عينت مكانه الجنرال كلوزيل كحاكم جديد لوهران، فطلب من حكومته دعما بجيش كبير للانتقام من الأمير، وسطر هدفه بقوله » لقد عزمن...

رحلة الامير عبد القادر الى الحج

عندما بلغ والده محي الدين الخمسين من عمره أراد الحج إلى البقاع المقدسة، و رفض أن يرافقه أي أحد إلا ابنه الرابع عبد القادر الذي لم يبلغ بعد 17 سنة من عمره، فعندما سمع الناس بالخبر أتوا من كل الجهات لتوديع محي الدين و ابنه ، فخشي الحاكم العثماني في وهران من تحول التجمع الضخم إلى ثورة ضد النظام الفساد فاضطر إلى احتجازهما لمدة سنتين بوهران، خاصة و أن محي الدين كان من أشد المعارضين لهذا النظام الذي قسم الشعب إلى فئات تتقاتل فيما بينها عملا بسياسة " فرق تسد" و الهدف من ذلك هو الحفاظ على المصالح الخاصة للنظام الذي كان ينهب عرق الشعب و يفرض ضرائب باهضة عليه مما يسمح لحاشية النظام مواصلة حياة الرّغد و الترف بينما الشّعب يموت جوعا، فكيف يقبل محي الدّين و ابنه عبد القادر بذلك و هما المتشبعان بحب العدل الذي ألح عليه الإسلام. و بعد سنتين من الاحتجاز تدخل داي الجزائر فسمح لهما بالذهاب إلى الحج معتقدا بأن ذلك وسيلة لإبعادهما عن البلاد و لو لمدة قصيرة. فعبرا تونس و وصلا إلى الإسكندرية عبر البحر المتوسط ليصلا إلى البقاع المقدسة برا، و عادا من الحد عبر دمشق و زارا قبر الولي الصالح عبد القاد...