التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عمر المختار في السجن

عندما وصل الأسير إلى بنغازي، لم يُسمح لأي مراسل جريدة أو مجلَّة بنشر أي أخبار أو مقابلات، وكان على الرصيف مئات من المشاهدين عند نزوله في الميناء ولم يتمكن أي شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المُحاط بالجنود المدججين بالسلاح. ونُقل المختار فوق سيَّارة السجن تصحبه قوَّة مسلَّحة بالمدافع الرشَّاشة حيث أودع في زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافَّة السجناء السياسيين وتحت حراسة شديدة، وكان يتم تغيير الحرَّاس كل فترة. ويقول مترجم كتاب "برقة الهادئة" الأستاذ إبراهيم سالم عامر أنَّ زنزانة عمر المختار كانت تحوي سريرًا من خشب وقماش وعلى أرضيَّتها قطعة من السجَّاد البالي لأجل وقع الرجلين عليه، ويُضيف أنَّ المختار كان يجلس عليها ويُسند ظهره على الجدران ويمد رجليه إلى الأمام حتى يُريحهما.

أثناء مكوث عمر المختار في السجن، أراد المأمور رينسي، وهو السكرتير العام لحكومة برقة، في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أن يُقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأنَّ المختار طلب مقابلته، أي الغرياني، وأنَّ الحكومة الإيطاليَّة لا ترى مانعًا من تلبية طلبه، وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة المختار، وعندما التقيا خيَّم السكوت الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني مثلًا شعبيًّا مخاطبًا به المختار: «الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل»، وماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدَّة إلى الشارف الغرياني وقال له: «الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه» وسكت هنيئة ثم أردف قائلًا: «ربِّ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين، أنني أومن بالقضاء والقدر، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله، أنني متعبٌ من الجلوس هنا، فقل لي ماذا تريد؟»، وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرّر به فزاد تأثره وقال للمختار: «ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك...» فقال المختار: «والجبل الشامخ أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد»، ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني، وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته، ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه بيتان من الشعر:

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معاهدة دي ميشال 1834 مع الامير عبد القادر

أمام ضغط جيش الأمير عبد القادر عمل دي ميشال الحاكم الفرنسي بوهران من أجل عقد هدنة مع الأمير، فلجأ إلى حيلة تسمح له بالاتصال بالأمير و إقتراح الهدنة عليه فعمد دي ميشال إلى مرافقة بعض جنده لخونة جزائريين كانوا يزودون جيش الاحتلال بالمواد الغذائية، فألقى جيش الأمير القبض عليهم، فطار دي ميشال فرحا لان ذلك كان وسيلة للاتصال بالأمير عبد القادر و محادثته بشأن الأسرى و اقتراح الهدنة عليه. إلا أن الأمير عبد القادر رفض اقتراحات دي ميشال في البداية لكنه بعد استشارة المجلس الشوري و التفكير العميق بالمعاهدة التي كانت تنص على توقيف القتال و إطلاق سراح الأسرى و حرية التجارة.   و كان هدف الأمير عبد القادر من قبوله المعاهدة هو إيجاد متسع من الوقت لمواصلة بناء دولته و تصنيعها خاصة و أنها تسمح له باستيراد الأسلحة و الآلات الصناعية من أوروبا عبر البحر. نصت المعاهدة   على المواد التالية : "ان القائد العام للقوات الفرنسية في مدينة وهران وأمير المؤمنين سيدي الحاج عبد القادر بن محي الدين قررا العمل بالشروط التالية : المادة الاولى : ان الحرب بين الفرنسيين والعرب ستتوقف منذ اليوم وان ...

نقض معاهدة دي ميشال و انتصارات الأمير عبد القادر

ندمت فرنسا على عقد الهدنة خوفا من أن يتسع نفوذ الأمير و تتقوى دولته أكثر فعمدت إلى نقض الهدنة بتنحية دي ميشال عن حكم وهران و تنصيب الجنرال تريزل حاكما جديدا عليها، و كان من أشدّ المعارضين للمعاهدة، فنقضها بالمهاجمة على جيش الأمير عبد القادر بجيش ضخم يتجاوز 10 آلاف جندي، فهزم جيش الأمير بغابة مولاي إسماعيل فقتل أكثر من 150 جنديا. ففر الجيش الفرنسي تحت الضربات القاسية للمجاهدين، لكن الأمير عبد القادر أغلق في وجهه الطريق إلى أرزيو، فعاد جيش تريزل عبر مسلك واحد و هو نهر المقطع فنجحت خطة الأمير عندما أحاط المجاهدون بالجيش الاستعماري من كل الجهات فأشعلوا فيه النار و دبت الفوضى فيه، فقتلوا و أسروا أغلبهم و استولوا على العتاد و الأسلحة و المؤن و هرب تريزل مع القليل من جنده الناجين من ضربات جيش الأمير. وتعتبر معركة المقطع في 1835 من أشهر معارك الأمير التي تظهر دهاءه العسكري. عزلت الحكومة الفرنسية الجنرال تريزل بعد هزيمته في معركة المقطع التي أثارت الرأي العام الفرنسي، و عينت مكانه الجنرال كلوزيل كحاكم جديد لوهران، فطلب من حكومته دعما بجيش كبير للانتقام من الأمير، وسطر هدفه بقوله » لقد عزمن...

رحلة الامير عبد القادر الى الحج

عندما بلغ والده محي الدين الخمسين من عمره أراد الحج إلى البقاع المقدسة، و رفض أن يرافقه أي أحد إلا ابنه الرابع عبد القادر الذي لم يبلغ بعد 17 سنة من عمره، فعندما سمع الناس بالخبر أتوا من كل الجهات لتوديع محي الدين و ابنه ، فخشي الحاكم العثماني في وهران من تحول التجمع الضخم إلى ثورة ضد النظام الفساد فاضطر إلى احتجازهما لمدة سنتين بوهران، خاصة و أن محي الدين كان من أشد المعارضين لهذا النظام الذي قسم الشعب إلى فئات تتقاتل فيما بينها عملا بسياسة " فرق تسد" و الهدف من ذلك هو الحفاظ على المصالح الخاصة للنظام الذي كان ينهب عرق الشعب و يفرض ضرائب باهضة عليه مما يسمح لحاشية النظام مواصلة حياة الرّغد و الترف بينما الشّعب يموت جوعا، فكيف يقبل محي الدّين و ابنه عبد القادر بذلك و هما المتشبعان بحب العدل الذي ألح عليه الإسلام. و بعد سنتين من الاحتجاز تدخل داي الجزائر فسمح لهما بالذهاب إلى الحج معتقدا بأن ذلك وسيلة لإبعادهما عن البلاد و لو لمدة قصيرة. فعبرا تونس و وصلا إلى الإسكندرية عبر البحر المتوسط ليصلا إلى البقاع المقدسة برا، و عادا من الحد عبر دمشق و زارا قبر الولي الصالح عبد القاد...