
أتاتورك هو في الحقيقة بطل قومي في أعين الأتراك، ورمز تحريري ونضالي منع تمزق الجسد التركي، وبطل حرب الاستقلال الذي دفع بقوات الحلفاء خارجها، وعزل السلطان الضعيف محمد وحيد الدين الذي قدَّم تركيا على طبق من ذهب للحلفاء في معاهدة سيفر المهينة، التي حرصت على الإبقاء على الخلافة شكليًّا، ومزقت أوصال تركيا عسكريًّا، جغرافيًّا وحدوديًّا وأبقتها خارج الحدود الأوروبية.
عندما تولى أتاتورك السلطة قام بتدشين حملة واسعة من الإصلاحات وفقًا للمبادئ الكمالية التي عرفت بالسهام الستة، وهي القومية التركية وتعزيز الشعور القومي خلافًا للإسلامي الذي كان متسيدًا، وقد عرف بخطبه بعبارة “سعيد هو من ولد تركيا”،
ثانيًا: الجمهورية وهي عكس النظام الأوتوقراطي السلطاني الرجعي، ولو أن بلاده لم تعرف الانتقال للديمقراطية متعددة الأحزاب إلا لاحقًا، وهو نموذج استعاره جمال عبد الناصر وغيره من العلمانيين العرب،
ثالثًا: العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، وقد كانت علمانية أتاتورك لائكية اجتثت الأعراف الإسلامية من القانون التركي تمامًا، فمنع النقاب وتعدد الزوجات، ومنح المرأة حقوقها في المساواة كاملة حتى إنها شاركت في البرلمان التركي تصويتًا وتمثيلاً قبل فرنسا بأحد عشر عامًا!.
رابعًا: الشعبوية وهنا كانت أهم إصلاحاته العظيمة، فقد كان النظام السلطاني طبقيًّا منحطًا أنتج أمة من الأميين غير المتعلمين، فأزال أتاتورك الطبقية تلك تمامًا، وجعل التعليم مجانيًّا وإجباريًّا حتى تلحق تركيا بركب الحداثة، والرعاية الصحية مجانية تحت إشراف الدولة.
خامسًا: مركزية الدولة، وهي فكرة اشتراكية كانت ضرورية حسب المنظور الأتاتوركي لفض الإرث الطبقي الذي خلفته السلطنة. وأخيرًا الثورية حتى تبقى روح التغيير متوقدة لدى الشعب في حراك ديناميكي مستمر لمستقبل أفضل.. وكما ذكر الباحث “باتريك كينروس” كل مبدأ من تلك المبادئ متشابك مع الآخر، فتركيز السلطة بيد الدولة هو من أجل حماية الشعب ضد الطبقية والاستغلال، والعلمانية تحمي الجمهورية التي تحمي الدولة من العدوان الخارجي عبر القومية، والثورية تربط هذا كله بعروة وثقى واحدة.
من المنظور القومي التركي هو بطل لا يشق له غبار، أنقذ تركيا من مصير التمزق والتفكيك والتوزيع بين الأرمن واليونانيين، الروس والإنجليز .. وبنى الجمهورية التركية الحديثة.اليوم تركيا تعيش ازدهارًا تحت حكم علماني إسلامي شذبه التراث الأتاتوركي، قد تكون مصداقًا لأول ميلاد حقيقي للمجتمع ما بعد العلماني، حيث تعيش العلمانية والتدين بتناغم وانفتاح على بعضهما، والتي يشترط فيها أن يكون المجتمع قد تعلمن لدرجة ما لتهذيب سلطوية وشمولية الخطاب الديني.