التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إعدام عمر المختار

في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء في 16 سبتمبر 1931، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينبس بكلمة، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يأذن في صوت خافت آذان الصلاة عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم بالآية القرآنية: Ra bracket.png يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ Aya-27.png ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً Aya-28.png La bracket.png، وبعد دقائق كان قد عُلّق على المشنقة وفارق الحياة.
سبق إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أويظهر البكاء عند تنفيذ الحكم، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضربًا مبرحًا بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العباريَّة وندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا، ووصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".يقول الدكتور العنيزي: «لقد أرغم الطليان الأهالي والأعيان المُعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر أبناء جلدتي، لم أكن أستطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشؤوم، إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور».

ليبيا بعد إعدام المختار

حاولت إيطاليا الاستفادة من مقتل عمر المختار، فعملت على استمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إنَّ المقاومة لا فائدة تُرجى منها بعد أن سقط الرأس المُدبّر، لكن المجاهدين أبوا واجتمعوا وانتخبوا الشيخ يوسف بورحيل المسماري قائدًا للجهاد الإسلامي ووكيلًا عامًا للجهاد. وعلى أثر هذا التنصيب كلَّف الشيخ عبد الحميد العبَّار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل العقيدة الإسلامية والدين. ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان، فلم يخف عزمهم أو يتلاشى، بل ازدادوا تصميمًا على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي، فواصلت الحكومة الإيطالية حملات الانتقام ضدهم، حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصريَّة قرب الأسلاك الشائكة، فاجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر، ولم يبقى إلّا الشيوخ القادة الأربعة، وهم: عبد الحميد العبَّار ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحمد بوخير الله. فقُتل الأخير ويوسف بورحيل وجُرح عصمان الشامي فأخذ أسيرًا، وأما عبد الحميد العبَّار فاستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر. وبهذه النهاية انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا، واستتب الأمر لإيطاليا حتى حين، فعملت على خلق هويَّة جديدة للبلاد وحاربت الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عامًا، لكنها سرعان ما انشغلت بنشوب الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات، وانسحبت كليًّا من ليبيا بتاريخ 7 أبريل عام 1943.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معاهدة دي ميشال 1834 مع الامير عبد القادر

أمام ضغط جيش الأمير عبد القادر عمل دي ميشال الحاكم الفرنسي بوهران من أجل عقد هدنة مع الأمير، فلجأ إلى حيلة تسمح له بالاتصال بالأمير و إقتراح الهدنة عليه فعمد دي ميشال إلى مرافقة بعض جنده لخونة جزائريين كانوا يزودون جيش الاحتلال بالمواد الغذائية، فألقى جيش الأمير القبض عليهم، فطار دي ميشال فرحا لان ذلك كان وسيلة للاتصال بالأمير عبد القادر و محادثته بشأن الأسرى و اقتراح الهدنة عليه. إلا أن الأمير عبد القادر رفض اقتراحات دي ميشال في البداية لكنه بعد استشارة المجلس الشوري و التفكير العميق بالمعاهدة التي كانت تنص على توقيف القتال و إطلاق سراح الأسرى و حرية التجارة.   و كان هدف الأمير عبد القادر من قبوله المعاهدة هو إيجاد متسع من الوقت لمواصلة بناء دولته و تصنيعها خاصة و أنها تسمح له باستيراد الأسلحة و الآلات الصناعية من أوروبا عبر البحر. نصت المعاهدة   على المواد التالية : "ان القائد العام للقوات الفرنسية في مدينة وهران وأمير المؤمنين سيدي الحاج عبد القادر بن محي الدين قررا العمل بالشروط التالية : المادة الاولى : ان الحرب بين الفرنسيين والعرب ستتوقف منذ اليوم وان ...

نقض معاهدة دي ميشال و انتصارات الأمير عبد القادر

ندمت فرنسا على عقد الهدنة خوفا من أن يتسع نفوذ الأمير و تتقوى دولته أكثر فعمدت إلى نقض الهدنة بتنحية دي ميشال عن حكم وهران و تنصيب الجنرال تريزل حاكما جديدا عليها، و كان من أشدّ المعارضين للمعاهدة، فنقضها بالمهاجمة على جيش الأمير عبد القادر بجيش ضخم يتجاوز 10 آلاف جندي، فهزم جيش الأمير بغابة مولاي إسماعيل فقتل أكثر من 150 جنديا. ففر الجيش الفرنسي تحت الضربات القاسية للمجاهدين، لكن الأمير عبد القادر أغلق في وجهه الطريق إلى أرزيو، فعاد جيش تريزل عبر مسلك واحد و هو نهر المقطع فنجحت خطة الأمير عندما أحاط المجاهدون بالجيش الاستعماري من كل الجهات فأشعلوا فيه النار و دبت الفوضى فيه، فقتلوا و أسروا أغلبهم و استولوا على العتاد و الأسلحة و المؤن و هرب تريزل مع القليل من جنده الناجين من ضربات جيش الأمير. وتعتبر معركة المقطع في 1835 من أشهر معارك الأمير التي تظهر دهاءه العسكري. عزلت الحكومة الفرنسية الجنرال تريزل بعد هزيمته في معركة المقطع التي أثارت الرأي العام الفرنسي، و عينت مكانه الجنرال كلوزيل كحاكم جديد لوهران، فطلب من حكومته دعما بجيش كبير للانتقام من الأمير، وسطر هدفه بقوله » لقد عزمن...

رحلة الامير عبد القادر الى الحج

عندما بلغ والده محي الدين الخمسين من عمره أراد الحج إلى البقاع المقدسة، و رفض أن يرافقه أي أحد إلا ابنه الرابع عبد القادر الذي لم يبلغ بعد 17 سنة من عمره، فعندما سمع الناس بالخبر أتوا من كل الجهات لتوديع محي الدين و ابنه ، فخشي الحاكم العثماني في وهران من تحول التجمع الضخم إلى ثورة ضد النظام الفساد فاضطر إلى احتجازهما لمدة سنتين بوهران، خاصة و أن محي الدين كان من أشد المعارضين لهذا النظام الذي قسم الشعب إلى فئات تتقاتل فيما بينها عملا بسياسة " فرق تسد" و الهدف من ذلك هو الحفاظ على المصالح الخاصة للنظام الذي كان ينهب عرق الشعب و يفرض ضرائب باهضة عليه مما يسمح لحاشية النظام مواصلة حياة الرّغد و الترف بينما الشّعب يموت جوعا، فكيف يقبل محي الدّين و ابنه عبد القادر بذلك و هما المتشبعان بحب العدل الذي ألح عليه الإسلام. و بعد سنتين من الاحتجاز تدخل داي الجزائر فسمح لهما بالذهاب إلى الحج معتقدا بأن ذلك وسيلة لإبعادهما عن البلاد و لو لمدة قصيرة. فعبرا تونس و وصلا إلى الإسكندرية عبر البحر المتوسط ليصلا إلى البقاع المقدسة برا، و عادا من الحد عبر دمشق و زارا قبر الولي الصالح عبد القاد...