أصبح المختار عند العرب عمومًا والمسلمين منهم خصوصًا شهيدًا بطلًا، ومثال القائد الصالح صاحب العقيدة السليمة السويَّة، الذي بذل نفسه وماله للدفاع عن دينه وبلده ضدّ عدو عنصري لا يعرف الشفقة. كما أصبحت إحدى جملاته الأخيرة: «نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه... أمَّا أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي» إحدى أبرز العبارات على لسان المقاومين في بعض الدول العربية التي عرفت الاحتلال.
أصبح المختار أحد أهم وأشهر أعلام ليبيا، إن لم يكن أشهرهم، طيلة العقود التي تلت إعدامه، وحصد حب واحترام وتقدير الليبيين من جميع الأجيال، وقد ظهر ذلك بالأخص يوم الخميس 16 سبتمبر سنة 2010، الذي صادف الذكرى التاسعة والسبعين لإعدامه، إذ توقفت الحركة كليًّا في كافة أنحاء ليبيا في منتصف اليوم، ولمدة خمس دقائق، حدادًا، وكانت اللجنة الشعبيَّة العامَّة الليبيَّة أصدرت قرارًا بشأن اعتبار السادس عشر من سبتمبر الذي يحيي فيه الشعب الليبي الذكرى التاسعة والسبعين لإعدام المختار يومًا للحداد الرسمي في ليبيا.
وقد خرجت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية تنديداً بالإعدام في مختلف الدول العربية، مثل تونس ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا.كما وقد أقيمت المآتم له في مختلف أنحاء بلاد الشام، وصلِّيت عليه صلاة الغائب في جامع بني أمية الكبير بدمشق، ودعي على المنابر إلى مقاطعة إيطاليا وكافَّة بضائعها وأغلقت المحالّ حداداً عليه. وفي غزة، أطلقت البلدية على أحد أهمّ شوارع المنطقة اسم "شارع عمر المختار"، ممَّا أثار غضب وسخط القنصل الإيطالي، وبعث عليه رسالةً اجتجاجة إلى البلدية، إلا إن رئيس البلدية رفض الاستجابة إلى مطلب القنصل. أقيمت صلاة الغائب على روح عمر المختار في تونس هي الأخرى، وفي مصر كانت ردة الفعل شعبية عارمة تجلَّت في الصحف والجمعيات والطلاب والشعراء،
وأقام له حمد الباسل باشا حفل تأبينٍ عظيم منعته الحكومة لأسباب سياسية، ولكن أعدّت له خطب وكلمات كثيرة، وأعد له أحمد شوقي وخليل مطران قصائد شعرية خاصة ترثى عمر المختار.وعلى الرغم من أن إتيليو تروتسي - حاكم برقة الإيطالية بين عامي 1927 و1929 - كان العدوَّ الأول لعمر المختار طوال سنين حكمه في برقة، إلا إنه وصفه في مذكراته المنشورة بعنوان "برقة الخضراء" بأنه "الرجل الذي لا يسعنا إلا أن نعترف له بالصّمود وبقوَّة الإرادة الخارقة حقاً".
كما وقد كتبت عنه صحيفة التايمز البريطانية في اليوم التالي لإعدامه مقالاً، وصفته فيه بـ"الرجل الرهيب" و"شيخ القبيلة الضاري العنيف الذي بقي لسنواتٍ طويلةٍ يمثّل روح المقاومة العربية".وعندما اندلعت ثورة 17 فبراير ضد حكم العقيد معمَّر القذَّافي، سار الثوَّار على نهج المختار واتخذت آراءه وأقواله مصدرا لإلهام الثورة، فمنذ اللحظة الأولى لخروج الليبيين إلى الشوارع للتظاهر ضد القذَّافي الذي طال حكمه لنحو 42 عامًا، لوحظ رفع صور عمر المختار، وكأن الثوَّار يسترجعون سيرته في مواجهتهم للقذَّافي، والذي قارنوه في مخيلاتهم بالمحتل الإيطالي الذي نهب ثروات بلادهم فخرجوا عليه لإسقاطه، كما شوهدت لافتات عدَّة كتب عليها بعض أقوال المختار، لعل أبرزها «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت».
وبعد سقوط القذَافي عبَّر محمد الشريف، رئيس المجالس المحليَّة بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي أنَّ عمر المختار هو «المصباح الذي سارت على هداه الثورة الليبية».ومن شدَّة رمزيَّة عمر المختار في ليبيا خصوصًا، أقدم رئيس الوزراء الإيطالي سيلڤيو برلسكوني على الانحناء أمام محمد المختار، نجل عمر المختار، وقبَّل يده متعذرًا عن كل المآسي التي تسببت بها إيطاليا للشعب الليبي، عندما كان كلٌ من القذَّافي وبرلسكوني يسعيان لفتح صفحة جديدة في العلاقات الليبيَّة الإيطاليَّة.
تعليقات