التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اعمال الامير عبد القادر

بالمنفي بدمشق 

 غادر الأمير و عائلته الجزائر على باخرة أسمودس الفرنسية تحت حراسة مشددة، فاتّجهت به نحو مدينة طولون و اقترحت فرنسا إعطاءه قصرا ضخما يعيش فيه في فرنسا لكنه رفض ذلك قائلا أنه يفضل الإقامة في ديار الإسلام على كل كنوز الأعداء و ثرواتهم. فنقلته السلطات الفرنسية إلى سجن لامبواز فنقضت بذلك تعهدها مثلما هو شأن الفرنسين دائما، فرغم مطالبه بإطلاق سراحه و السماح له بالهجرة إلى بلاد الإسلام إلا أنها كانت ترفض ذلك باستمرار خوفا من نشر روح المقاومة و فكرة بناء البلاد الإسلامية لمواجهة الإستعمار الأوروبي الذي كان يستعد لإحتلالها مثلما احتل الجزائر.

 و لم ينجح الأمير في مساعيه إلا بعد مجيء نابليون الثالث إلى الحكم في فرنسا عام 1851 بعد القيام بثورة ضد الملك لوي فيليب. فاستقر الأمير ببروسة بتركيا منذ عام 1853    و غادرها في عام 1855 بعد أن حطمها زلزال عنيف،فتوجه إلى إسطنبول و منها إلى دمشق بسورية فاستقر بها و اتخذها مكانا لإقامته مع عائلته. و قد قام بدور إنساني كبير في منفاه حيث أنتقذ آلاف المسيحيين من القتل على يد مسلمين متعصبين عام 1860 و ذلك عندما أثار المستعمران الفرنسي و البريطاني فتنة بين المسلمين و المسيحيين ليتخذ ذلك ذريعة لدخول سورية ثم احتلالها، و لكن الأمير عبد القادر نجح في إطفاء نار الفتنة إنطلاقا من سمعته و تأثيره و إدراكا منه لقوق أهل الكتاب الذين يعيشون في بلاد الإسلام فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم» من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة، و إن ريحها لتوجد من سبعين عاما « و يقول أيضا » إلا من ظلم معاهدا " مثل أهل الذمة " أو كلّفه فوق طاقته، أو انتقصه حقه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة «. و هكذا اوقف الأمير جيشها بإيقافه للفتنة، فأنقذ بذلك سورية من الإحتلال الفرنسيفي القرن19 م.

 و قد اكتسب الأمير عبد القادر إحترام العالم كله و أعطى صورة نموذجية للمسلم الذي يدافع عن وطنه و يعمل من أجل بناء بلاده و تقدمها، و يتسامح مع أصحاب الأديان الأخرى،  و يتحلى بالأخلاق العالية و يحترم كلمته و عهوده، و بذلك الإحترام العالمي الذي اكتسبه شارك إلى جانب كبار قادة و ملوك العالم في احتفالات افتتاح قناة السويس في مصر عام 1869.

 ألف الأمير عبد القادر الكثير من الكتب في منفاه و أهمها:
- المقراض الحاد لقطع لسان الطاعن فيدين الإسلام من أهل الباطل و الإلحاد.
- ذكرى العاقل وتنبيه الغافل : ضمنه آراءه في التاريخ و الفلسفة و الدين و الأخلاق و الإصلاح الإجتماعي .
- المواقف : كتاب في التصوف .

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

معاهدة دي ميشال 1834 مع الامير عبد القادر

أمام ضغط جيش الأمير عبد القادر عمل دي ميشال الحاكم الفرنسي بوهران من أجل عقد هدنة مع الأمير، فلجأ إلى حيلة تسمح له بالاتصال بالأمير و إقتراح الهدنة عليه فعمد دي ميشال إلى مرافقة بعض جنده لخونة جزائريين كانوا يزودون جيش الاحتلال بالمواد الغذائية، فألقى جيش الأمير القبض عليهم، فطار دي ميشال فرحا لان ذلك كان وسيلة للاتصال بالأمير عبد القادر و محادثته بشأن الأسرى و اقتراح الهدنة عليه. إلا أن الأمير عبد القادر رفض اقتراحات دي ميشال في البداية لكنه بعد استشارة المجلس الشوري و التفكير العميق بالمعاهدة التي كانت تنص على توقيف القتال و إطلاق سراح الأسرى و حرية التجارة.   و كان هدف الأمير عبد القادر من قبوله المعاهدة هو إيجاد متسع من الوقت لمواصلة بناء دولته و تصنيعها خاصة و أنها تسمح له باستيراد الأسلحة و الآلات الصناعية من أوروبا عبر البحر. نصت المعاهدة   على المواد التالية : "ان القائد العام للقوات الفرنسية في مدينة وهران وأمير المؤمنين سيدي الحاج عبد القادر بن محي الدين قررا العمل بالشروط التالية : المادة الاولى : ان الحرب بين الفرنسيين والعرب ستتوقف منذ اليوم وان ...

نقض معاهدة دي ميشال و انتصارات الأمير عبد القادر

ندمت فرنسا على عقد الهدنة خوفا من أن يتسع نفوذ الأمير و تتقوى دولته أكثر فعمدت إلى نقض الهدنة بتنحية دي ميشال عن حكم وهران و تنصيب الجنرال تريزل حاكما جديدا عليها، و كان من أشدّ المعارضين للمعاهدة، فنقضها بالمهاجمة على جيش الأمير عبد القادر بجيش ضخم يتجاوز 10 آلاف جندي، فهزم جيش الأمير بغابة مولاي إسماعيل فقتل أكثر من 150 جنديا. ففر الجيش الفرنسي تحت الضربات القاسية للمجاهدين، لكن الأمير عبد القادر أغلق في وجهه الطريق إلى أرزيو، فعاد جيش تريزل عبر مسلك واحد و هو نهر المقطع فنجحت خطة الأمير عندما أحاط المجاهدون بالجيش الاستعماري من كل الجهات فأشعلوا فيه النار و دبت الفوضى فيه، فقتلوا و أسروا أغلبهم و استولوا على العتاد و الأسلحة و المؤن و هرب تريزل مع القليل من جنده الناجين من ضربات جيش الأمير. وتعتبر معركة المقطع في 1835 من أشهر معارك الأمير التي تظهر دهاءه العسكري. عزلت الحكومة الفرنسية الجنرال تريزل بعد هزيمته في معركة المقطع التي أثارت الرأي العام الفرنسي، و عينت مكانه الجنرال كلوزيل كحاكم جديد لوهران، فطلب من حكومته دعما بجيش كبير للانتقام من الأمير، وسطر هدفه بقوله » لقد عزمن...

رحلة الامير عبد القادر الى الحج

عندما بلغ والده محي الدين الخمسين من عمره أراد الحج إلى البقاع المقدسة، و رفض أن يرافقه أي أحد إلا ابنه الرابع عبد القادر الذي لم يبلغ بعد 17 سنة من عمره، فعندما سمع الناس بالخبر أتوا من كل الجهات لتوديع محي الدين و ابنه ، فخشي الحاكم العثماني في وهران من تحول التجمع الضخم إلى ثورة ضد النظام الفساد فاضطر إلى احتجازهما لمدة سنتين بوهران، خاصة و أن محي الدين كان من أشد المعارضين لهذا النظام الذي قسم الشعب إلى فئات تتقاتل فيما بينها عملا بسياسة " فرق تسد" و الهدف من ذلك هو الحفاظ على المصالح الخاصة للنظام الذي كان ينهب عرق الشعب و يفرض ضرائب باهضة عليه مما يسمح لحاشية النظام مواصلة حياة الرّغد و الترف بينما الشّعب يموت جوعا، فكيف يقبل محي الدّين و ابنه عبد القادر بذلك و هما المتشبعان بحب العدل الذي ألح عليه الإسلام. و بعد سنتين من الاحتجاز تدخل داي الجزائر فسمح لهما بالذهاب إلى الحج معتقدا بأن ذلك وسيلة لإبعادهما عن البلاد و لو لمدة قصيرة. فعبرا تونس و وصلا إلى الإسكندرية عبر البحر المتوسط ليصلا إلى البقاع المقدسة برا، و عادا من الحد عبر دمشق و زارا قبر الولي الصالح عبد القاد...